خصاءص الاقتصاد الإسلامي
بسم
الله الرحمن الرحيم
إنّ
النّاس لمّا عرفوا الحياة وتعاشروا بينهم يحتاجون إلى حاجات متعدّدة. ولهذا يجب أن
يلجأوا إلى المفاضلة بين الحاجات المختلفة، فعزموا على استيفاء حاجات حياتهم فيما
بينهم لتكون حياتهم أسعد و أحسن، فالأموال والغنى هما من الحاجات الإنسانية التي
لا بد تحقيقها لينتفعوا بها، فسعوا بكل قوتهم لكسب الغنى و الأموال وملكهما
لاستيفاء تلك الحاجات.
هذا
تصوير إجمالي كيف اجتهدوا لهذا الغرض ولا بدّ لهم بحثها ليكون كسبهم للأموال
وسعيهم في نيلها من طريقة الملكية التي تتضمن استيفاء تلك الحاجات المتعددة.
كثير
من النظم الاقتصادية سعت في أن تعطي نظرية الملكية المبنية على فكرتها، فيما يكون من
الأشياء المتعلقة بها.
ومثال
ذلك النظام الاقتصادي الاشتراكي المؤسّس على الجماعة، فإنه يلغي الملكية الفردية
(الملكية الخاصة) و يُبنى على أساس الملكية
العامة أو الملكية الجماعية التي تستوليها الدولة
على الآلات الإنتاجية. تعتبر الاشتراكية أنّ
الجماعة نقطة البداية في النظام الاقتصادي.[1] وهذا النّظام يعارض النظام الرّأسمالي الذي يقدم
الملكية الفردية في الآلات الإنتاجية و ينظر الفرد علي
أنه محور الوجود وأنّ حرّيته واستقلاله هي الهدف
الأساسي منه.
يقوم
النّظام الاشتراكي على أساس الملكية العامّة لوسائل الإنتاج حيث تمتلك الدّول كلّ
وسائل النّشاط الاقتصادي انطلاقا من الفلسفة الماركسية. ففي ظل هذا النّظام لا
يسمح للفرد كقاعدة عامة أن يمتلك أيّ مال من أموال الإنتاج.[2] فالفرد في حكم الاشتراكية لا رأي له ولا حرية، إنه
مسلوب الإرادة في كل شيء في العقيدة و السلوك، وفي التمتع بعلمه، و في الإنتاج،
وفي اختيار حاجته الضرورية، وإنه يعمل كما تريد الدولة ينتج لصالح الدولة مقابل أن
تكفل له طعامه و شرابه ومسكنه.[3]
حاول
الباحث النّظر إلى الإسلام الذي هو وحدة نظامية شاملة و متكاملة لضروب الحياة
المختلفة، فلا يجوز له أن ينظر إلى بعض جوانب الحياة بينما ترك الأخر.[4]
قال تعالى (أَفَتُؤْمِنُوْنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَ تَكْفُرُوْنَ بِبَعْضٍ، فَمَا
جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّخِزْيٌ فِي الحْيَوةِ الدُّنْيَا
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّوْنَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ
بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُوْنَ).[5]
نظر الباحث فيه إلى نظامه الاقتصادي فرأى على أنه يقوم على أساس الجمع بين المصلحة
الفرديّة والمصلحة الجماعيّة، وهدفه من ذلك تحقيق الرّفاهيّة للجميع بشرط أن يكون
هناك تناسب وتوازن، و أن يكسب كلّ مايقدر عليه بشرط أن يكون فيه حقّ لغيره.[6]
فرأى أنّ النّظام الاقتصادي الإسلامي يعترف بالملكيّة
الفرديّة و العامّة.
رأى
الباحث أنّ الاشتراكية تحدّد الفرد في ملكيّة الأموال و الغنى التى بها استوفي
حاجاته و تسعُد حياته و تقدّم الملكية العامة في
وسائل الإنتاج و تلغى الملكية الفردية. فرأى الباحث أنّ النظام الاشتراكي سلب فطرة
الإنسان التى فطرها الله عليها. ورأى أن الاقتصاد
الإسلامي مع تقديم نظرية الملكية كذلك يبين إجماليا و تفصيليا حقيقة الملكية في الإسلام و غايتها و ما يجب على الناس
في نيل الملكية واهتمامهم بها بين حقوقهم و واجباتهم كخلفاء الله في الأرض. فالإسلام
يدبّر طرق استفادة تلك الثروات و توزيعها إلى مستحقيها حتى لا يقع التعارض
الاجتماعي بين الأغنياء و الفقراء.
تنوعت
خصائص الاقتصاد الإسلامي إذ أن هذا الاقتصاد جزء من كل، أي جزء من الدين الحنيف.
عرف الباحث أن الإسلام لم يبين كل التفصيلات الخاصة بالاقتصاد بل أورد المبادئ
الكلية وترك التطبيق و التفصيل، ليتناسب مع كل
وقت ومكان. و يهدف الاقتصاد الإسلامي في النهاية لتحقيق صالح الفرد و الجماعة.
فللاقتصاد
الإسلامي خصائص، وسيبينها الباحث في هذا البحث تفصيليا
1.
للاقتصاد الإسلامي
الطابع التعبدي
يعنى الاقتصاد بكيفية استخدام الموارد
الإنتاجية المحدودة لإشباع حاجات الأفراد و المجتمعات غير محدودة.[7] و لم تستوفئ حاجات الناس إلا بالعمل و السعي والتعاون
بينهم. و الهدف مما جاءت به الشريعة الإسلامية في العمل هو عبادة الله و مراقبته و
الخوف منه. و القاعدة الأساسية في دراسة النظام الاقتصادي عدم فصله عن العقيدة
بوصفها ركيزة السلوك الإنساني في شتى الأمور. و بوصفها أيضا أنه جزء من كل متماسك:
الأمر الّذي انعكس على النشاط الاقتصادي ذاته الّذي يجب أن يمارس في دائرة الحلال
و الحرام.[8] وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن اللهَ
لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ خَالِصًا وَ ابْتَغَى بِهِ
وَجْهَهُ).[9]
و هذا العمل الّذي يقصد وجه الله و القيام بحق الناس استجابة لطلبه تعالى ومرضاته
و منع الفساد فيها يعد عبادة مستمرة وصدقة و بهذا حثت السنة الشريفة فعن عائسة رضي
الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ
الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ.[10]
2.
الاقتصاد الإسلامي
يجمع بين الثبات و التطور
الاقتصاد الإسلامي جاء بمبادئ و قواعد
كلية عامة تنظم المجال الاقتصادي، وأنه ترك التفصيلات و النواحي العملية لاجتهادات
و أراء الفقهاء في ضوء هذه المبادئ والقواعد من خلال ظهور كل مجتمع سواء كانت
ظروفا مكانية أو زمانية. [11]
يجمع الاقتصاد الإسلامي بين الثبات و
التطور: الثبات من حيث الأصول أو المذهب الاقتصادي، والتطور من حيث التطبيقات أو
النظم الاقتصادية.[12]
فبناء عليه فإن نظام الحكم الإسلامي
صالح لكل عصر في حدود تفكيره محققا في نفس الوقت للمبادئ التي وضعها أساسا للاقتصاد
الإسلامي. والإسلام وضع لنظام الحكم في الاقتصاد مبادئ عامة و ترك التنفيذ لظروف
كل مجتمع. و في هذه المبادئ وردت أيات من القرآن
الكريم : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَ هُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِيْنَ).[13] فالإسلام وضع المبادئ العادلة في مجال الاقتصاد التي تتفق مع الفطرة.
3.
الاقتصاد الإسلامي
يجمع بين المصالح المادية و الحاجات الروحية
أن
النشاط الإنساني في النظام الإسلامي يجمع بين المصلحة المادية و الطابع الديني، و
هذه المصلحة المادية في الشرع ليست مطلوبة لذاتها، و أنما هي وسيلة لتحقيق صالح
البشر وإعمار الأرض و من ثم تحقيق شرع الله و الجزاء عنه في الأخرة.[14]
قال تعالى: (و ابتغ فيما أتاك الله الدار الأخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا و أحسن
كما أحسن الله إليك).[15]
فآمال
الاقتصاد الإسلامي هي انتفاع الأموال والملكية
والسعادة الدنيوية والمصلحة الجماعية بنية خالصة لوجه الله مع طاعته.[16] ليكون في جميع النشاط الاقتصادي الاعتدال بين المصلحة
المادية و الروحية التي تدل على إيجاد القيم الاجتماعية والرحمة بين الأفراد. كما
أن في الزكاة طاعة الله و تصرف الأموال للحياة الاجتماعية، حتى يشعر المسلم
الاعتدال في الحاجات المادية و الروحية لنجاح حياة الدنيوية والأخروية.[17]
4.
الاقتصاد الإسلامي
يجمع بين مصلحة الفرد و الجماعة
مصلحة الفرد و الجماعة من الاشياء التي
لها أهمية كبيرة في الحياة الاقتصادية، وهذا من خصائص الاقتصاد الإسلامي، الذي عنى
بهما و لا بد عنده أن يكون بينهما ربط يربط أحدهما الآخر، ولا تفسد مصلحة الفرد
مصلحة الجماعة وعكسها.[18]
الإسلام راعى ذاتية الفرد و كيان
الجماعة لا من الناحية المادية فقط بل من النواحي الإنسانية المختلفة، حيث لم ينكر
حق الإنسان في التملك و حمايته بشرط عدم تعارضه مع حقوق الجماعة.[19]
و لهذا قال تعالى:(يَاأَيُّهَا الّذِيْنَ أمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ ذَرُوا مَا
بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا
فَأْذَنوُا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَ رَسُولهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوْسُ
أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُوْنَ وَلاَ تُظْلَمُوْنَ).[20]
فتبين من البيان السابق أن للاقتصاد
الإسلامي خصائص تخالفه بالنظم الاقتصادية الأخرى. منها أنه طابع تعبدي، فاعتبر
الإسلام عمل الناس في الاقتصاد عبادة، إذا عملوا خالصين لوجه الله. ويجمع الاقتصاد
الإسلامي بين الثبات والتطور لأن نظام الحكم الإسلامي صالح لكل عصر للمبادئ التي
وضعها أساسا للاقتصاد الإسلامي. وهو يجمع بين المصالح المادية و الحاجات الروحية و
بين مصلحة الفرد و الجماعة.
بقلم:
يحيى إبراهيم
مشكور
الطالب بكلية
أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف
[1] دكتور عيسى عبده و محمود
أبو شعبان و هشام عودة، الاقتصاد للصف الثالث الثانوي القسم الأدبي، وزارة
التربية بالدولة كويت ، ص 86
[2] محمود بن ابراهيم الخطيب، مبادئ الاقتصاد الاسلامي،
الجمعية العالمية للاقتصاد الاسلامي، الطبعة السابعة 2002م، ص 19
[8] الدكتور محمد رواس قلعة جي، مباحث في اللاقتصاد
الإسلامي من أصول الفقهية، دار النفائس، كويت، 2000ص 37
[16] الدكتور محمد العسال و الدكتور أحمد عبد الكريم،
Sistem, Prinsip dan
tujuan Ekonomi Islam, CV.
Pustaka Setia باندونج 1999 ص33
[17] الدكتور ساعد سعد مرطون،Ekonomi Islam ditengah krisis Ekonomi Global, Zikrul Hakim جاكرتا 2004 ص 28
Komentar
Posting Komentar
Terima Kasih atas masukan dan pendapat anda, semoga bermanfaat...